محیی الدین ابن عربی در مقدمه کتاب فتوحات تمام برادران و دوستان را شاهد گرفته و به ذکر عقائد خویش میپردازد تا این عقائد به منزلۀ محکماتی باشند برای ارجاع مشتبهات کلامش بدانها.
يا إخوتي المؤمنين ختم اللَّه لنا و لكم بالحسنى لما سمعت قوله تعالى عن نبيه هود ع حين قال لقومه المكذبين به و برسالته إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَ اشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ فأشهد ع قومه مع كونهم مكذبين به على نفسه بالبراءة من الشرك بالله و الإقرار بأحديته لما علم ع إن اللَّه سبحانه سيوقف عباده بين يديه و يسألهم عما هو عالم به لإقامة الحجة لهم أو عليهم حتى يؤدي كل شاهد شهادته و قد ورد أن المؤذن يشهد له مدى صوته من رطب و يابس و كل من سمعه و لهذا يدبر الشيطان عند الأذان و له حصاص و في رواية و له ضراط و ذلك حتى لا يسمع نداء المؤذن بالشهادة فيلزمه أن يشهد له فيكون بتلك الشهادة له من جملة من يسعى في سعادة المشهود له و هو عدو محض ليس له إلينا خير البتة لعنه اللَّه و إذا كان العدو لا بد أن يشهد لك بما أشهدته به على نفسك فأحرى أن يشهد لك وليك و حبيبك و من هو على دينك و ملتك و أحرى أن تشهده أنت في الدار الدنيا على نفسك بالوحدانية و الايمان
فيا إخوتي و يا أحبائي رضي اللَّه عنكم أشهدكم عبد ضعيف مسكين فقير إلى اللَّه تعالى في كل لحظة و طرفة و هو مؤلف هذا الكتاب و منشئه أشهدكم على نفسه بعد أن أشهد اللَّه تعالى و ملائكته و من حضره من المؤمنين و سمعه أنه يشهد قولا و عقدا
إن اللَّه تعالى إله واحد
لا ثاني له في ألوهيته
منزه عن الصاحبة و الولد
مالك لا شريك له
ملك لا وزير له
صانع لا مدبر معه
موجود بذاته من غير افتقار إلى موجد يوجده بل كل موجود سواه مفتقر إليه تعالى في وجوده فالعالم كله موجود به و هو وحده متصف بالوجود لنفسه
لا افتتاح لوجوده و لا نهاية لبقائه بل وجود مطلق غير مقيد
قائم بنفسه
ليس بجوهر متحيز فيقدر له المكان و لا بعرض فيستحيل عليه البقاء و لا بجسم فتكون له الجهة و التلقاء مقدس عن الجهات و الأقطار
مرئي بالقلوب و الأبصار إذا شاء استوى على عرشه كما قاله و على المعنى الذي أراده كما إن العرش و ما سواه به استوى و له الآخرة و الأولى
ليس له مثل معقول و لا دلت عليه العقول
لا يحده زمان و لا يقله مكان بل كان و لا مكان و هو على ما عليه كان خلق المتمكن و المكان و أنشأ الزمان
و قال أنا الواحد الحي لا يئوده حفظ المخلوقات
و لا ترجع إليه صفة لم يكن عليها من صنعة المصنوعات
تعالى إن تحله الحوادث أو يحلها أو تكون بعده أو يكون قبلها بل يقال كان و لا شيء معه فإن القبل و البعد من صيغ الزمان الذي أبدعه
فهو القيوم الذي لا ينام و القهار الذي لا يرام لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ
خلق العرش و جعله حد الاستواء و أنشأ الكرسي و أوسعه الأرض و السماوات العلى اخترع اللوح و القلم الأعلى و أجراه كاتبا بعلمه في خلقه إلى يوم الفصل و القضاء
أبدع العالم كله على غير مثال سبق و خلق الخلق و أخلق الذي خلق
أنزل الأرواح في الأشباح أمناء و جعل هذه الأشباح المنزلة إليها الأرواح في الأرض خلفاء
و سخر لنا ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ
جَمِيعاً مِنْهُ فلا تتحرك ذرة إلا إليه و عنه
خلق الكل من غير حاجة إليه و لا موجب أوجب ذلك عليه لكن علمه سبق بأن يخلق ما خلق
فهُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظَّاهِرُ وَ الْباطِنُ و هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً و أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفى يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَ ما تُخْفِي الصُّدُورُ كيف لا يعلم شيئا هو خلقه أَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ
علم الأشياء منها قبل وجودها ثم أوجدها على حد ما علمها فلم يزل عالما بالأشياء لم يتجدد له علم عند تجدد الإنشاء
بعلمه أتقن الأشياء و أحكمها و به حكم عليها من شاء و حكمها
علم الكليات على الإطلاق كما علم الجزئيات بإجماع من أهل النظر الصحيح و اتفاق فهو عالِمِ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ
فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ فهو المريد الكائنات في عالم الأرض و السموات لم تتعلق قدرته بشيء حتى أراده كما أنه لم يرده حتى علمه إذ يستحيل في العقل أن يريد ما لا يعلم أو يفعل المختار المتمكن من ترك ذلك الفعل ما لا يريد كما يستحيل أن توجد نسب هذه الحقائق في غير حي كما يستحيل أن تقوم الصفات بغير ذات موصوفة بها
فما في الوجود طاعة و لا عصيان و لا ربح و لا خسران و لا عبد و لا حر و لا برد و لا حر و لا حياة و لا موت و لا حصول و لا فوت و لا نهار و لا ليل و لا اعتدال و لا ميل و لا بر و لا بحر و لا شفع و لا وتر و لا جوهر و لا عرض و لا صحة و لا مرض و لا فرح و لا ترح و لا روح و لا شبح و لا ظلام و لا ضياء و لا أرض و لا سماء و لا تركيب و لا تحليل و لا كثير و لا قليل و لا غداة و لا أصيل و لا بياض و لا سواد و لا رقاد و لا سهاد و لا ظاهر و لا باطن و لا متحرك و لا ساكن و لا يابس و لا رطب و لا قشر و لا لب و لا شيء من هذه النسب المتضادات منها و المختلفات و المتماثلات إلا و هو مراد للحق تعالى و كيف لا يكون مرادا له و هو أوجده فكيف يوجد المختار ما لا يريد لا راد لأمره و لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ يؤتي الملك من يشاء و ينزع الملك ممن يشاء و يعز من يشاء و يذل من يشاء و يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ما شاء كان و ما لم يشأ أن يكون لم يكن لو اجتمع الخلائق كلهم على أن يريدوا شيئا لم يرد اللَّه تعالى أن يريدوه ما أرادوه أو يفعلوا شيئا لم يرد اللَّه تعالى إيجاده و أرادوه عند ما أراد منهم أن يريدوه ما فعلوه و لا استطاعوا على ذلك و لا أقدرهم عليه
فالكفر و الايمان و الطاعة و العصيان من مشيئته و حكمه و إرادته و لم يزل سبحانه موصوفا بهذه الإرادة أزلا و العالم معدوم غير موجود و إن كان ثابتا في العلم في عينه ثم أوجد العالم من غير تفكر و لا تدبر عن جهل أو عدم علم فيعطيه التفكر و التدبر علم ما جهل جل و علا عن ذلك بل أوجده عن العلم السابق و تعيين الإرادة المنزهة الأزلية القاضية على العالم بما أوجدته عليه من زمان و مكان و أكوان و ألوان
فلا مريد في الوجود على الحقيقة سواه إذ هو القائل سبحانه وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ
و أنه سبحانه كما علم فاحكم و أراد فخصص و قدر فأوجد كذلك سمع و رأى ما تحرك أو سكن أو نطق في الورى من العالم الأسفل و الأعلى لا يحجب سمعه البعد فهو القريب و لا يحجب بصره القرب فهو البعيد يسمع كلام النفس في النفس و صوت المماسة الخفية عند اللمس و يرى السواد في الظلماء و الماء في الماء لا يحجبه الامتزاج و لا الظلمات و لا النور و هو السميع البصير
تكلم سبحانه لا عن صمت متقدم و لا سكوت متوهم بكلام قديم أزلي كسائر صفاته من علمه و إرادته و قدرته كلم به موسى علیهالسلام سماه التنزيل و الزبور و التوراة و الإنجيل من غير حروف و لا أصوات و لا نغم و لا لغات بل هو خالق الأصوات و الحروف و اللغات
فكلامه سبحانه من غير لهاة و لا لسان كما إن سمعه من غير أصمخة و لا آذان كما إن بصره من غير حدقة و لا أجفان كما إن إرادته في غير قلب و لا جنان كما إن علمه من غير اضطرار و لا نظر في برهان كما إن حياته من غير بخار تجويف قلب حدث عن امتزاج الأركان
كما إن ذاته لا تقبل الزيادة و النقصان
فسبحانه سبحانه من بعيد دان عظيم السلطان عميم الإحسان جسيم الامتنان
كل ما سواه فهو عن جوده فائض و فضله و عدله الباسط له و القابض
أكمل صنع العالم و أبدعه حين أوجده و اخترعه
لا شريك له في ملكه و لا مدبر معه في ملكه إن أنعم فنعم فذلك فضله و إن أبلى فعذب فذلك عدله
لم يتصرف في ملك غيره فينسب إلى الجور و الحيف و لا يتوجه عليه لسواه حكم فيتصف بالجزع لذلك و الخوف
كل ما سواه تحت سلطان قهره و متصرف عن إرادته و أمره
فهو الملهم نفوس المكلفين التقوى و الفجور و هو المتجاوز عن سيئات من شاء و الآخذ بها من شاء هنا و في يوم النشور لا يحكم عدله في فضله و لا فضله في عدله
أخرج العالم قبضتين و أوجد لهم منزلتين فقال هؤلاء للجنة و لا أبالي و هؤلاء للنار و لا أبالي و لم يعترض عليه معترض هناك إذ لا موجود كان ثم سواه فالكل تحت تصريف أسمائه فقبضة تحت أسماء بلائه و قبضة تحت أسماء آلائه
و لو أراد سبحانه أن يكون العالم كله سعيدا لكان أو شقيا لما كان من ذلك في شأن لكنه سبحانه لم يرد فكان كما أراد فمنهم الشقي و السعيد هنا و في يوم المعاد فلا سبيل إلى تبديل ما حكم عليه القديم و قد قال تعالى في الصلاة هي خمس و هي خمسون ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَ ما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ لتصرفي في ملكي و إنفاذ مشيئتي في ملكي و ذلك لحقيقة عميت عنها الأبصار و البصائر و لم تعثر عليها الأفكار و لا الضمائر إلا بوهب إلهي و جود رحماني لمن اعتنى اللَّه به من عباده و سبق له ذلك بحضرة إشهاده فعلم حين أعلم أن الألوهة أعطت هذا التقسيم و أنه من رقائق القديم فسبحان من لا فاعل سواه و لا موجود لنفسه إلا إياه وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ وَ ما تَعْمَلُونَ و لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ
و كما أشهدت اللَّه و ملائكته و جميع خلقه و إياكم على نفسي بتوحيده فكذلك أشهده سبحانه و ملائكته و جميع خلقه و إياكم على نفسي بالإيمان بمن اصطفاه و اختاره و اجتباه من وجوده ذلك سيدنا محمد صلى اللَّه عليه و سلم الذي أرسله إلى جميع الناس كافة بَشِيراً وَ نَذِيراً و داعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنِيراً
فبلغ صلى اللَّه عليه و سلم ما أنزل من ربه إليه و أدى أمانته و نصح أمته و وقف في حجة وداعه على كل من حضر من أتباعه فخطب و ذكر و خوف و حذر و بشر و أنذر و وعد و أوعد و أمطر و أرعد و ما خص بذلك التذكير أحدا من أحد عن إذن الواحد الصمد ثم قال ألا هل بلغت فقالوا بلغت يا رسول اللَّه فقال صلى اللَّه عليه و سلم اللهم اشهد
و إني مؤمن بكل ما جاء به صلى اللَّه و عليه و سلم مما علمت و ما لم أعلم فمما جاء به
فاقر أن الموت عن أجل مسمى عند اللَّه إذا جاء لا يؤخر فأنا مؤمن بهذا إيمانا لا ريب فيه و لا شك كما آمنت و أقررت إن سؤال فتاني القبر حق و عذاب القبر حق و بعث الأجساد من القبور حق و العرض على اللَّه تعالى حق و الحوض حق و الميزان حق و تطاير الصحف حق و الصراط حق و الجنة حق و النار حق و فريقا في الجنة و فريقا في النار حق و كرب ذلك اليوم حق على طائفة و طائفة أخرى لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ
و شفاعة الملائكة و النبيين و المؤمنين و إخراج أرحم الراحمين بعد الشفاعة من النار من شاء حق و جماعة من أهل الكبائر المؤمنين يدخلون جهنم ثم يخرجون منها بالشفاعة و الامتنان حق
و التأبيد للمؤمنين و الموحدين في النعيم المقيم في الجنان حق و التأبيد لأهل النار في النار حق
و كل ما جاءت به الكتب و الرسل من عند اللَّه علم أو جهل حق
فهذه شهادتي على نفسي أمانة عند كل من وصلت إليه أن يؤديها إذا سألها حيثما كان نفعنا اللَّه و إياكم بهذا الايمان و ثبتنا عليه عند الانتقال من هذه الدار إلى الدار الحيوان و أحلنا منها دار الكرامة و الرضوان و حال بيننا و بين دار سرابيلها من القطران و جعلنا من العصابة التي أخذت الكتب بالإيمان و ممن انقلب من الحوض و هو ريان و ثقل له الميزان و ثبتت له على الصراط القدمان أنه المنعم المحسان ف الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَ ما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَق